17 - 07 - 2024

تعا اشرب شاي | كلبة لؤى

تعا اشرب شاي | كلبة لؤى

 

لم تكن تلك الشقة الأنيقة التى تقطن بها أسرة المهندس أحمد مجرد سكنا ، وإنما كانت شاهدة على ملحمة تحكى قصة الحب والكفاح التى جمعته بزوجته الجميلة السيدة رباب ، وبالرغم من أصوله العريقة وعمله الشاق إلا أن دخله كان محدودا إلى حد ما ، ومع ذلك كانا يعيشان حياة تملؤها السعادة والرضا و قد إكتفيا بإنجاب إبنهما الشاب لؤى كى يستطيعا العيش فى ستر وكرامة ، وكان للذوق الراقى الذى تتمتع به السيدة رباب أثر كبير على مظهر الأسرة و البيت رغم بساطته.

فى تلك الليلة لم تتوقع رباب أن يطرق بابها أحد الزائرين ، خاصة أن الوقت كان متأخرا إلا أن الطرق إستمر وإزدادت وتيرته حتى تحول إلى رفس ، أيقظت زوجها وهى فى حالة ذعر شديد ، قام أحمد من نومه مدهوشا وتوجه إلى باب الشقة وهو يتمتم فى سره "سترك يارب" ومكثت رباب تراقب زوجها عن قرب .

فتح الرجل الباب فإذا بشخص يسأله بصوت أجش: دى شقة لؤى؟

أحمد وقد إنتابه القلق: خير إن شاء الله؟

الرجل: إبنك عليه حكم فى قضية.

تندفع رباب نحو الباب وقد بدأ الرعب يعلو قسمات وجهها الرقيق قائلة بلهفة : إبنى مالوش فى السياسة يا بيه دا فاكر إن مجلس الشعب هو هو مجلس الآباء بس بعد ما العيال كبرت ، والله دا مايعرف الفرق بين حسنى مبارك وحسنى الكبابجى ، دا .....

الرجل مقاطعا: يا ست إبنك عليه قضية تهرب ضريبى مش سياسى .

تبدو الدهشة على وجه أحمد و قد أخذ يهمس فى سره : الواد ابن ال...... بيحوش من ورانا ، بينما تتمالك رباب نفسها وهى تتساءل : تهرب ايه؟ إبنى ما حيلتوش حاجة اساسا.

الرجل بتشفى : ها !! إبنك مربى كلب فى البيت يا هانم ودى رفاهية لازمن يدفع تمنها .

رباب بغضب: انت بتقول ايه؟ دا كلب مش عربية فيرارى !!

الرجل وقد امتلأ وجهه بالغل : وبياكل بكام الكلب دا؟ وبينام بكام ولا مؤاخذة بيدخل الحمام بكام؟ دا بيتكلف اكتر من تكلفة تربية الواد سعد ابنى وبعدين مش انتو مبسوطين بيه؟ يبقى لازمن تدفعوا.

رباب بتأفف: يعنى ايه مادام مبسوطين تدفعوا !! هى عكننة والسلام؟

فى تلك اللحظة يستيقظ لؤى ويتجه إلى مصدر الجلبة وهو يسأل أمه : خير ، فيه حاجة يا مامى؟

الرجل وقد إتسعت حدقتا عينيه: دى كلمة مامى لوحدها رفاهية لازمن تدفع تمنها.

رباب وقد تملكها الغضب : امال عايزه يقوللى ايه؟

أحمد وقد بدأ يستوعب الموقف : ياباشا دى عيال "لوكال" ماتربتش ، الواد بينادى امه بإسم الدلع عادى كدة ، ماهو "بابى" زى ما حضرتك راسى دلع رباب ... ثم يضيف بإستظراف: بس مش معقول يعنى يقوللها بابى وانا واقف هاهاهاها.

رباب تنظر إلى زوجها فى ذهول بينما يهمس أحمد فى أذنها : عدى الليلة ابوس ايدك.

الرجل ينظر إلى لؤى متجاهلا سخافة أحمد: انت فى جامعة ايه ياسى لؤى؟

لؤى : فى الجامعة الالمانية يا انكل.

يأخذ الرجل شهيقا مسموعا وقد إشتد غيظه ، فيقول أحمد مصححا بسرعة وهو ينظر لإبنه محذرا : فى الجامعة العمالية ... العمالية يا باشا .

يتنهد الرجل بإرتياح قائلا: اه باحسب ، ثم يتقدم إلى الداخل وهو يتنصت بتركيز شديد ثم يسأل رباب بإهتمام: انتو عندكم قط كمان؟

يرد لؤى بنفاد صبر دى قطة بلدى وزعرا ، خير إن شاء الله؟

الرجل بإنتصار: المهم إنها بتنونو ، غير كدة مجرد شكليات ، وعندك كمان ضريبة قطة.

رباب وقد اشتد غضبها : انت بتقول ايه يافندى انت؟

لؤى موجها الكلام  إلى أمه: اسكتى انتى يا حاجة ، الله يباركلك .

رباب بذهول: حاجة !! مامى بقت حاجة يا لولو؟

لؤى لأمه: لولو ايه بس يا بركة كدة حاروح فى داهية اقسم بالله .

يزداد ذهول رباب بينما ينظر إليها أحمد محذرا وهو يقول : سيبى الولد يتصرف .

لؤى للرجل : انت عايز ايه دلوقت ؟

الرجل وهو ينظر إلى الأوراق التى فى يده : عايزك تدفع الضريبة يا لؤى أحمد شهدى ، وقبل أن يرد أحد افراد الأسرة يتساءل مستدركا بإهتمام وقد جحظت عيناه هذه المرة : انتو من عيلة شهدى باشا؟

لؤى بلا مبالاة : شهدى باشا مين؟ احنا من عيلة حقيرة اساسا.

لم تستطع رباب السيطرة على أعصابها فترد على ابنها محذرة : ولد.

الرجل وهو يتفرس وجوههم : انتو من عيلة المرحوم شهدى باشا ولا لا؟

يرد أحمد هذه المرة :  لا يا فندم ، احنا من عيلة متواضعة ، خاملة الذكر بعيد عن السامعين ، وبعدين من ادراك ان شهدى باشا دا مرحوم؟ ما يمكن راح جهنم الحمرا.

رباب تهمس لزوجها وهى على وشك الإغماء: ازاى تقول كدة على جدك؟

أحمد يهمس بتوسل : ابوس راسك اسكتى ، دا ممكن ياخد ضريبة على رحمة جدى ، مجنون ويعملها .

لؤى يقول للرجل بحسم: انت عايز ايه دلوقت من الاخر كدة عشان ننزل تتر الليلة دى.

الرجل وقد إبتسم إبتسامة النصر : الدفع أو الحجز يا لؤى ، ثم يضيف بسخرية: قصدى يا لؤى باشا.

لؤى بحسم : دا اخر كلام عندك؟

الرجل وهو لا يزال مبتسما : ايوة يا سعات البيه.

لؤى : انا معاييش فلوس ، إحجز براحتك ، ثم ينادى بصوت عال : أزعرينا .. أزعرينا  ، تأتى كلبة ضخمة بسرعة وقد تدلى لسانها و أخذت تنظر إلى الرجل وهى تزمجر بشدة.

لؤى:  روحى مع عمو و ماتسيبيهوش ، ماتسيبيهوش يا أزعرينا ، اوك؟.

هزت أزعرينا رأسها بنعم ثم أخذت تنبح بعنف وتجرى خلف الرجل بينما يفر مذعورا ، تضحك الأسرة لأول مرة فى هذه الليلة الطويلة وقد أيقنت أن الرجل سيعود مستسلما لا محالة.

تخرج أزعرينا وراء الرجل قاطعة عشرات الشوارع والميادين وفجأة يمسك الرجل تليفونه المحمول ويتصل بأحدهم وهو يلهث قائلا بإستنكار: يا مسعد ، غبى مين اللى قدر ضريبة كلبة لؤى؟ دى عليها صحة مش عند اسد ، تسوى أكتر من كدة بكتير ، دى أسرع من النفاثة و ربنا ، الله يخرب بيوتكم.

مقالات اخرى للكاتب

جاء فى مستوى الطالب الضعيف